حدوثة رعب مصرية 6/ فراس الور

احس روماني بجسمه يقشعر فجأة ثم بدخان كثيف ينتشر من حوله، فإلتفت بهلع الى يمينه ثم يساره ليتحقق من وجود حريق، و لكنه سرعان ما عَلِمَ ان الدخان ليس دخان حريق فرائحته كانت خالية من روائح المواد المحترقة، انتشر الدخان بسرعة رهيبة بين الطوابق ليصرخ الزوار بصورة جنونية من الموقف و يحاولوا الفرار من المتحف، فأحس ببعضهم يتزاحمون على الادراج الكهربائية على مقربة منه و بعضهم يجري بذعر تائهين من حوله بين سحب الدخان الكثيفة و بين اروقة الطابق الضخمة، سمع روماني اصوات الابواب تُطْرَقْ بقوة فَعَلِمَ ان هنالك حالة ذعر عند ابواب المتحف الكبيرة في الطابق الارضي و أنها مغلقة، فكر في ذاته بأسباب انبعاث الدخان بالمتحف و جسده يرتعد من الخوف "ربما محاولة سرقة،" و لكن استغاثة الناس و طرطقت الابواب في الطوابق السفلية و هم يحاولون فتحها شل تفكيره تماما فنظام الطوارئ يفتحها بصورة أوتوماتيكية؟! صرخ من شدة الرعب "ماذا يحصل!!!" ليلاقي صوت مرفت تصرخ نحوه هي و فارس معا "روماني اين انت؟!!! ماذا يحصل؟!!!" فأجابهما "لا تتحركا، ابقيا مكانكما!!!" فأجابه صوت عميق كصوت مارد ضخم يتخلل نبراته الغليظة زمجرات متوحشة، "الكاميرات لن تراك فمد يدك و اسرقها!" دوى صوت المارد بين زوايا المتحف و هو يأمره 
وقف روماني غير قادر على الكلام و الحراك من الخوف، سمع وقع اقدام ضخمة تزتزل الارض التي تحت قدميه، فرجف جسده بجنون لدرجة ان فكيه كانا يدقدقان بعضهم ببعض من الهلع الهستري، تقدم الكائن الذي كان يأمره حتى وصل الى جانبه، فاحت رائحة نتنة في الاجواء كرائحة الف جثة متعفنة كادت ان تجعله يستفرغ...ولكن شدة الرعب اسرت جسده محولةً اياه الى تمثال حجري، صرخ الناس في الطوابق السفلية و العلوية مذعورين من الصوت الملعون، كانوا يستغيثون و يطلبون النجدة و الرحمة بإلحاح و لكن دون جدوى، فحتى مرفت و فارس لم يستطيعا إسعافهما من كثافة الدخان، فالسجاد الاحمر الفاخر التي كانت الطوابق مفروشة بها و الستائر البيضاء المعلقة بأناقة على نوافذ الطوابق كانا مختفيا تماما وراء سحب الدخان، كانا مرفت و فارس غير قادرين على الحراك و كانا يصرخان من الرعب من الصوت الذي ملئ الطابق فجأة، 
اجاب روماني بعد دقيقة صمت بصوت مُرْتَعِشْ "انا لا اريد سرقة شئ"
فزلزل الصوت الاجواء مرة ثانية "انت تكذب يا روماني، انت تمنيت ان تسرق ورقة البردي فها الأجواء مؤاتية للسرقة، هيا و سأعطيك قوى لم تحلم ان تكون معك، الا تريد ان تنتقم من الذي سلب حبيبتك منك...اما البشر هنا فسيكونوا قرابين لي احتفاءاً بِعَقْدِنَا الجديد، هيا.فأنا أتعطش لدمائهم الآدمية منذ ثلاثة الاف عام، صبري ينفذ مني! هيا!!!"
ارتعش جسد مرفت و احست بدوار قوي، جلست على الارض تترجى فارس خطيبها "لا تتركني يا فارس ضمني اليك!" فضمها فارس سائلا بتوتر "ما بالك يا مرفت؟"
احست بتعرق في جسدها و اشتد الدوار عليها، صوت هذا الكائن كان يأسرها و يخنقها بلا رحمة، وكأنه يسحبها الى عالم بعيد كانت قد نسيته منذ زمن، أحست انها تعرفه و انه ساكن في مكنونات و اعماق ذاتها و ذهنها، سيل من الذكريات برق في داخلها فجأة مع كلماته التي كانت تحث روماني على السرقة،
"يا روماني انا اريد الانتقام ايضا لصديقي و خادمي سيتيخ، ولأخي!!!"
انتفض جسد مرفت من جديد و تنفست الصعداء و كأنها قد خرجت من الغرق بين امواج بحرٍ عاتيه، جلست لدقائق تتنهد بشدة و ترتعش و الدوار يعصف بكيانها، كانت بين يدي فارس كالطفلة المذعورة، سأل فارس و الدموع في عينيه و  الخوف يسيطر عليه "قولي لي يا حبيبتي ماذا دهاك؟ اذا حصل لك شيئ تأكدي أنني ساموت ورائكِ،" 
فجأة نهضت من مكانها فصرخ فارس "اين انت ذاهبة يا مرفت؟!" و لكن لم تجيبه، بدأ يتبدد الدخان من الطابق فتبين لفارس و كأنه يهرب من امام وجهها، لحقها من شدة الخوف و ناداها "مرفت أجيبيني!" و لكن نظرت اليه بأمرٍ وكأنها تقول له "ابتعد عن طريقي"، ثم أكملت طريقها، كانت تمشي بثقة بين دواليب العروض في المتحف و كأنها تمتلك المتحف، بل ظن فارس و كأنها تمتلك الارض كلها، 
خَلَتْ الطوابق مِنْ الدخان فصرخ روماني صرخةً أفزعت الناس من حوله، تركت صرخته صدى قوياً جداً بين زوايا الطابق، و رويداً رويدا دَوَتْ صرخات الناس الذين حوله عندما رأوا القامة البشعة التي أفزعته، كان الكائن ينظر الى روماني مباشرة، و كان ضخم الجثة بطول مترين و رأسه راس ثور بقرون طويلة و كانت تفوح من فمه رائحة نتنه، و يبرز من وراء شفاهه الغليظة اسنان و انياب كبيرة حادة، اما جسده فكان شبه بشري و يغطيه طبقة من الفروة الحيوانية الكثيفة و قوائمه كقوائم الثيران، تحول صراخ روماني الى عويل موجع و هو يترجى و ينظر الى وجهِهْ العدواني "انقذوني!!! اذهب عني!!! بإسم الرب الحي!!!"
فجأة توتر الكائن و ضرب الارض بقدمه الجبارة فتكسرت الارض من تحت قدميه و هبط بقوة الى الطابق الارضي مُنْزِلاً معه حجارة اسمنتية ضخمة، فسقط روماني معه و وقع جسده و ارتطم بالاكوام الاسمنتية ليصرخ متلوعاً من الالم، انتشر الغبار الكثيف لبرهة زمنية و دوى صراخ الزوار في الطابق الارضي و هَزً الطابق بأكملها لرؤيتهم الشرير و الارض المنهارة، كانت مرفت واقفة بثقة على مسافة منه و لم يهتز لها رِمْش من الضوضاء الشيطانية، ارتفع صفير الريح في الخارج و أضاءت المتحف سلسة صواعق نيِرة ثم تبعتها رعود عنيفة دَوًبَةْ صراخ البشر داخل جدران المتحف، ابتدء مطر بردي كثيف في الخارج لتمتلئ الاجواء من طقطقات الحبيبات المتجمدة على الزجاج، نظر القوم الى العاصفة البردية ليتفاجؤا برؤية عشرات العسكر مدججين بالسلاح يهرولون كالأمواج الجارفة الى داخل مصف السيارات و يتجمعون امام المتحف مكونين جدار بشري منيع، كانت السيارات العسكرية في الداخل و عددا من الضباط رفيعي المستوى واقفين على مقربة من بوابات المتحف، لم يلاحظ احد احوال العالم الخارجي المقلوبة رأسا على عقب في بادئ الأمر من شدة ذعرهم من الاحداث داخل المتحف، 
صرخت مرفت باللغة الغرعونية آمرة و محذرة بسلطان ملكي فاجئ روماني و فارس "ابتعد عن مملكتي ايها الحقير و الا!!!"
 فشاط الكائن من الغيظ و دوى صياحه في المتحف"من اين اتيت الى هذا العالم؟!!!"
    "ايها الحقير سأدمرك قبل ان تدمر مملكتي!!!"
      أقبل اليها و تعابير العدوانية تملئ طلته الحيوانية، أهتزت الارض من تحت قدميها و هو يقترب بعزم، قال لها بإستهزاء "مملكتك انتهت ايتها الساقطة الفرعونية و سلطانك ولا!!!"
    فاجابته بثقة و نظرات الاشمئزاز تشع من وجهها"جيشي يعد مئة الف رجل!!!"
صرخ اليها فارس من بعيد "مرفت ماذا تفعلي!!! سيقتلك هذا الشيطان!!!"
فاجاب الكائن "هل تقصدين الورق الهش الواقفين في الخارج؟" ضحك بشدة و أكمل "انت تحلمي فجيشك كله و جندك اموات تحت الارض" نظر اليها بحقد كبير و عاد الى روماني الذي كان نائما على وجهه على الارض يتلوى من آلآمه، رفع حافر قدمه و داس ظهره ناتعا منه صرخة اقشعرت لها ابدان الموجودين، أرتفع صوت طقطقت عظامه ثم اسلم الروح، قال الكائن بسرور محذرا "من يسلم روحه للشر يكون ملكنا نحن،" فامسك كومة من الحجارة الضخمة بيديه المتوحشة و رفعها قائلا "لن ادعك تمنعيني مرة آخرى من امتلاك هذا العالم يا سافلة!!! سأنتقم منك لأخي و أقتلك و سأغرز حوافري بعدها بجثمانك الكريه المعروض هنا مثل ما غرزتها بهذا العبد!!!" 
فجاوبته بنبرة حديدية "خسئت يا عبد الشر يا نعل اقدام ملوك مصر، لن تفلح يا كريه!" و قبل ان يُحَرِكْ الكومة في يديه قالت بصوت آمر و هي ترفع يديها و انظارها نحو السماء "يا رياح الارض العاصفة و تراب مصر الطاهر و مياه الحياة الأتية من سماء الآلهة الازلية، اجمعي شمل جنودي حماة مصر و حماة كرسي فرعون الاعظم فها ملكتكم سخمت تأمركم و توقظتكم من سباتكم العميق!!!" توقف الكائن و نظر الى زجاج المتحف الذي اهتز فجاة، 
نظر الجنود المتجمهرين في مصف المتحف بدهشة الى الرياح التي هبة بقوة فجأة من حولهم فكادت ان تدفعهم من سرعتها، كانت محملة بالامطار و البرد الكثيف واهتز منها زجاج المتحف بشراسة، صرخوا فجأة مذعورين و تراقصوا في مكانهم من الايدي المحنطة التي كسرت و اخترقة الاسفلت اليابس في وسطهم بجبروت كبير، صرخوا الضباط المذعورين الى جنودهم "ابتعدوا نصفكم الي اليمين و الآخر الى اليسار!!! بسرعة!!!" فانتشروا بعفوية الى القسمين ونفذوا الاوامر بِهِمَةٍ بالغة، نظر الجمع باستغراب و خوف الى الخمسة مومياوات المحنطة و هي تكسر إسمنت الارض من حولها و تنهض من الموت، خرجت من الارض و وقفت تنظر الى المتحف لبرهة من الزمن، زمجرت كالاسود بعنف و تَوَعُدْ ثم اعلنت بلغتها الفرعونية "لبيكِ يا مولاتي" و رفعوا حرابهم الحديدية و قذفوها باتجاه واجهات المتحف الزجاجية بعزم، فحطمتها و امتلأت الساحة من أصوات تكسير الزجاج، فتبعتها اصوات صراخ و عويل الحيوان الشرس و هو يتألم منها،  
      تراقص الكائن من الآلآم المبرحة و صاح و هو ينظر الى مرفت بحقد و قال مهددا "معركتنا لم تنتهي يا قاتلة أخي!!!" 
صرخت مرفت بكراهية شديدة "اذهب الى الجحيم الذي اتيت منه فعالمكم تحت اقدامنا الى الابد!!!" 
خرج الكائن المخيف يسب و يلعن"يا ساقطة، سأعود لاقتلك!!!" وَسَطَ ذعر الجيش من منظره، و لكن إنهالت عليهم الأوامر العسكرية من قادتهم فأمطروه بوابل من الرصاص، اخترقت الرصاصات جسده من دون رحمة و سببت له الألم و لكنه لم يتأثر بها، ابتداء باخراج الحراب من جسده متلويا من الالم و الرصاص يكوي جسده، اخرج حربتان وسط اصوات الرشاشات العسكرية التي صدحت باروقة المتحف و بقدرة خفية استعاد قُوًتَهُ الباطشة،  
رمى مومياء بحربة فقطعها الى نصفين لتسقط على الارض، و رمى بالثانية لتنغرس بصدر عسكري، فسقط على الارض جثتا هامده، فاستلوا المومياوات الباقين سيوفهم و انقضوا عليه ضاربين جسده بقوة، فنتعت ضرباتهم شلالات دماء زرقاء منه و أغرقت الارض من حوله، ضرب الارض بقدمه وهو يصيح من الاوجاع و نرل بداخل حفرة آخذا ورائه المومياوات جميعها و اختفى عن الوجود،           
****
     تجمهر جمع غفير من الصحافين بعد فترة قصيرة من انقضاء المجريات العنيفة في المتحف و ساحته الكبيرة، و لكن بإعاز من نائب وزير الداخلية محمد الشاعر منعتهم قوى الجيش من الدخول ففرق الشرطة كانت ماتزال تفحص مكان الحادث و تجمع الأدلة الضرورية للوقوقف على حقيقة ما حدث، و لكن رغم هذه الأوامر لم تمنعهم المسافات من عدم تصويرالاضرار التي تسببت بها المعركة و التي كانت واضحة لهم كل الوضوح، و من حين لآخر بين ومضات أضواء الكاميرات التي كانت تبرق نادى بعض من الافراد بإلحاح لعطوفة النائب الذي كان يقف على مقربة منهم للرد على استفساراتهم و السماح لهم بالدخول، ولكنها فشلت في شد انتباهه، فكان مازال بحالة صدمة  من الاحداث التي رأها أمام عينيه، كانت صفارات سيارات الاسعاف تدوي من حوله و الطواقم الطبية تعالج المصابين من الحادث، و كان فريق من البحث الجنائي منتشر في المتحف يحقق في عوامل وفاة روماني و الحوادث المريبة التي وقعت منذ قليل، و ناقلات الجند بمحركاتها القوية كانت تهم بالخروج من ارض المعركة متجهة الى الثكنات العسكرية من جديد لتعيد بعد من القوى التي اشتبكت مع الكائن الشرير، و كانا ايضا هنالك محققين منهمكين بسؤال شهود العيان عن الأحداث، فكان عميدان بالجيش و الشرطة يحيطان بمحمد و هو ينظر الى الحفرة الذي احدثها الكائن المتوحش و التي ما تزال ملطخة بدمائه العفنة، 
تقدم نحو المتحف و نظر الى الزجاج المكسور المحيط بالمدخل الكبير لبرهة من الزمن، ثم تقدم و القى نظرة على الحفرة الكبيرة في السقف الذي صنعها الكائن، ناهيك عن الخمس حفر الغريبة التي احدثتها المومياوات و التي كانت تتوسط المصف الكبير في مدخل المتحف، كانت اضرار بالغة تحتاج الى وقت و تمويل كبير لاصلاحها، و حدث بلا حرج عن الدرج الكهربائي الذي تدمر نتيجة وقوع الطوب الاسمنتي على سككه المعدنية،  
ضرب محمد الشاعر كف بكف و قال بتعجب "انا لا اصدق، احس و كأنني بفلم مغامرات اجنبي والله، لا إله الاً الله و لا حول ولا قوة الا بالله، من أين أتى هذا الحيوان و لماذا كَسًرَ المتحف؟" أَشًرَ بيديه الى الحُفَر "الا ترو الاضرار؟"
كان العميد بسام البرادعي يتمتع ببنية رياضية قوية تتميز بالعضلات المفتولة، و كان أشيب الرأس ذو بشرة حنطية في الخمسين من العمر و صاحب باع طويل بخدمة الأمن بالقاهرة، أجاب مؤكدا "الحمد لله انه لم تُصَبْ أية اثار باضرار، ولكن والله و لا انا عطوفتكم اعلم ماذا الذي جرى، علينا الانتظار ريثما ينتهي فريق الشرطة من سؤال شهود العيان و التحقيق فربما نجد خيط دليل،" 
فاجاب عميد الجيش أنس عبدالتواب و عيونه تسرح بين حفر الدمار من حوله "انا أوافقك الراي فربما نجد ما يفسر هذه الخوارق، على العموم انا اشك بشئ ما،" كان أنس يتمتع بطلة سمراء تشبه طلة زميله بسام، و كان جسده يتمتع باللياقة الرياضة القوية، 
فقال له محمد بشغف "قل لي شكوكك فورا،"
"بسم الله الرحمن الرحيم و لكن شئنا ام ابينا الشياطين موجودة و مذكورة بالقرآن الكريم و في جميع الكتب السماوية،"
زادت ملامح الفزع على وجه محمد من ما ذكره انس و قال "اعوذوا بالله من الشيطان الرجيم" و فجأة قرر أن يغير الموضوع، و لكن قبل ان يتفوه بكلمة لفت اتباهه مشادة كانت تحدث بين مديرة المتحف و بين محقق في الشرطة، كاد ان يضحك انس من خوف محمد من ذكر الشياطين و لكن سيطر على نفسه و اتجه ورائَهٌ ليرى ما سبب المشكلة، 
كانا مرفت و فارس و واقفان بجانب سيارة اسعاف، و كانت مرفت تصرخ في وجه ضابط "انا لم اكن هنا وقتما وقعت هذه الاحداث! صَلِحْ معلوماتك فهي غير دقيقة،"
رد الشرطي بحزم " كل الشهود يقولون انك كنتِ ضِلْع في هذه المعركة، و كنت تتكلمين لغة غريبة مع الكائن الذي حطم المتحف!"
رد فارس مفسرا "خطيبتي اعصابها تعبة من الاحداث، عندما ترتاح ستعطيكم افادتها قطعا، ارجوك اصبر الى الغد،" نظر الى مرفت قائلاً "اهدئي حبيبتي،"
وقف المحقق يهز رأسه غير راضي عن ردت فعل مرفت معه بينما نظرت مرفت الى خطيبها مؤكدة "فارس انا لا اتذكر شيئا و لا اعلم اي شيئ عن اي كائن، انا كنت اتكلم معك و فجأة كان المتحف محطما بعد لحظات،" 
بكت و هي تكمل "لا اعلم شيئ صدقني،" 
ضمها فارس ليرى نائب وزير الداخلية مع مرافقيه يتجهون نحوهم، فقال نائب الوزير للمحقق "اتركنا مع المديرة قليلا،"
قال المحقق الشاب لمحمد بعزم "عطوفتكم ربما يكون مفتاح ما جرى بيدها!"
فقال آمراً "الا ترى كم هيا مرهقة؟ اعطها متسع من الوقت لكي تهدئ"
ذهب المحقق قائلاً "تحت امركم سيدي"
نظر الجمع اليها و هي تذرف الدمع، فقال أنس بهدوء"يا بنية ماذا دهاك؟"
اجابت بنبرة صادقة مؤكدة "انا لا اعلم شيئ، يصرون هنا انني تكلمت مع كائن متوحش ما حطم متحفي و لكن لا اعلم شيئ، انا ابنة ضابط خدم بلاده بكفائه عالية و ابنة عائلة محترمة، لو المعلومة عندي لقلتها للمحقق،"
كان فارس في حقيقة الأمر في داخله يرتعش من الخوف على مرفت، فابتدأت نبؤات الرجل العجوز الذي قابلهم فجاة بالحفلة تتحقق، و ها هيا خطيبته تتصرف كملكة لها سلطان في عالمه بعكس توقعاته، و ها هو جيشها يحميها و يسهر على راحتها، ولكن المشكلة الحالية أنها إن لم تعترف بمجريات الحادث فالعواقب ستكون خطيرة، فسجنها للتحقيق معها سهل للغاية و هي تنكر معرفتها بهذه الأحداث الكبيرة، او حتى قد يصل الأمر الى اتهامها بالشعوذة فالخوارق التي حدثت فعلا لا تحدث الا في الخيال الدرامي،  
تبادل الجمع النظرات الصامتة ثم نظروا اليها مرة ثانية، أحسوا بصدق كلامها و نواياها، ارتفعت أصوات السير في الشارع العام القريب من المتحف لبرهة من الزمن، كانت تقطعها من حين لآخر الندائات من رجال الصحافة للدخول الى موقع الأحداث،
كسر الصمت آخيرا محمد و سأل مرفت "من والدك؟"
"بولس باشا السلحدار"
تبدلت ملامح بسام و محمد المتوترة الى طلات ودودة رغم التوتر الذي كان يشعوران به، قال بسام "اعرف والدك"
فايده أنس "بولس رجل محترم جدا و هو صديق شخصي لي،" 
 جمع شجاعته محمد اخيراً و نظرات الإرتياح تسود وجهه، أعلن رأيه "انا ارى من الضروري ان تباشر مرفت جلسات مع طبيب نفسي ليحدد كيف يمكن ان تتعاون معنا لتفسير مجريات اليوم، اما عن مجريات التحقيق فلا يجب ان تقع بين يداي الصحافة قبل ان نعلم ماذا يحدث،"
شكر فارس محمد الشاعر و الضباط المرافقين و سار مع مرفت الى سيارتها الواقفة في المصف، كانت خطواتها بطيئة و نظرات التوهان و عدم الثقة تخيم على ملامحها، فتحت الباب و جلسة في مقعد السائق لتلاقي رفض قاطع من خطيبها "لايجب ان تقودي و انت في هذه الحالة،"
قالت في محاولة لطمئنت فارس "انا بخير لا تقلق علي يا حبيبي، إن قمت بقيادة سيارتي من سيهتم بسيارتك؟"
"سأطلب من اي موظف عندي بالمتجر الاهتمام بها"
"فارس! نسيت حقيبتي، يا الهي ساعدني ففيها بطاقتي الشخصية و مفاتيح سياراتي، يجب ان اذهب الى المتحف لآخذها من مكتبي، لن أتأخر"
"سآتي معك"
توجها الى المتحف من جديد و دخلا الى المبنى، تعديا الخراب على المدخل و اتجها الى اليمين الى ادراج كانت موجودة في آخر الطابق، كانت المسافة بعيدة بعض الشئ نظراً الى رحابة الطابق، و توالت الدواليب عن يمينها و يسارها و هي تسير من التعب ببطئ الا ان استوقفها شيئ يلمع بجانب الحائط على يمينها على الارض و على مقروبة من دولاب عرض زجاجي  طويل، اقتربت منه قائلة "يبدو ان هنالك إثر سقط من العرض،" لحقها فارس قائلا "لا تدعي شيئ يعكر صفوك، يمكن ترتيبه فيما بعد،" و لكنها أجابت متعجبة و هي تلتقطه "من اين اتى هذا؟"
كان ذهبي اللون عتيق و كبير بحجم يد رجل بالغ، كان فوق ورقة بردي قديمة عليها كلام بالفرعوني، نظر  فارس باستغراب الى القطع القديمة و سأل "اليست من أثار المتحف؟"
"لم اراها في حياتي،"
سأل بتوق "ماذا يقول الكلام يا مرفت؟"           
"هذه القطع من خبرتي لن يقل عمرها عن الفي عام،" قرآت بهدوء "اذا وفقت امام حارس مصر و طلبت منه سيطيع و يريك الطريق الى الهلال المصلب،" 
صرخ فارس مستاءا "كل هذه المشاكل منك يا عجوز الغبرة!"
"ماذا تقصد؟"
"مرفت استمعي الي،" نظر الى عينيها المرهقة "اتتذكرين كلام العجوز في حفلة مرقس و نادية؟"
"و ما علاقة هذا بالذي جرى؟" و لكن فجاة أرتسمت على وجهها علامات التعجب، "اتعني إن ما جرى هنا..." 
قال على أمل أن تتذكر شيئا، "مرفت كوني قوية، انت مصدومة فقط و لكن حاولي ان تتذكري، وقفتي امام الكائن الذي حطم المتحف و خرجت جنود من باطن الارض لتتعارك معه لتحميك حين حاول قتلك،"
احست مرفت ان كلام فارس كاد أن يذكرها بشيئ...هل يعقل؟ و الحاح المحققين ان لها علاقة بالحوادث التي جرت؟
سألت بخوف "ماذا كان يريد مني؟"
"الانتقام،" سند نفسه فارس الى الحائط من التعب و قال بتنهد عميق "كان يريد الانتقام منك لانك كما قال قتلتي أخاه و وجودك خطر لانه يريد امتلاك العالم،"
تملكها مرفت خوف عميق من كلام فاري، فسألت "واين ذهب سلطان الله؟"
"هنالك شيئ يحصل لا يطمئنني، مرفت كنت افكر منذ برهة، انت تعلمين دائرة معارفي في فرنسا، لكي تسلمي من الملاحقات القانونية عن هذه القضية سأتصل بصديقي و اطلب منه ترتيب أمور لجوء سياسي لك من الدولة الفرنسية و الإقامة الدائمة هناك،"
صُدِمَتْ مرفت من كلام خطيبها و اجابت بتوتر شديد "فارس انا تائهة فلا ترعبني اكثر! ماذا سيكون مصيرنا نحن و امي و ابي و أهلك، الم تفكر بكل هذا؟"
ضرب فارس الحائط بيده بعصبية و اجاب "مرفت انا خائف عليك، ارحميني انا ايضا! ها هم حولوكِ الى طبيب نفسي، و ما ادرانى ما هو الاتي، انت لا تتذكري شيئ من الكارثة التي حدثت منذ قليل، فَمِنْ الممكن ان يستجوبوك بقسوة او يسجنوك، الهرب للذين في موقفك رحمة،"
صمتت مرفت وهي تفكر في كلام فارس، ماذا لو كان كلامه صحيح؟ ماذا لو كانوا الأمن قساة معها و كان مطافها السجن و التعنيف على يد الشرطة، اليس السفر الجسر الذي تحتاجه للنجاة من بحر المشاكل التي كانت واقعة بها، اهلها يحبوها و سيأتون للعيش معها متفهمين ظروفها، و ها خطيبها يعدها بالوقوف الى جانبها، 
"الن اكون حمل ثقيل عليك يا فارس و ماذا سيكون بتجارتك؟"
ضمها بحب بين يديه و أكد لها "احبك يا مرفت، فانت اغلى عندي من كل المحلات و اموالي، تأكدي انك أغلى تحفة في حياتي،"
" يا حبيبي، انا سأفعل ما تطلبه مني،"
3/Oct/2010 مختبرات الجنائية- 10:00 صباحا-القاهرة
   كان الملازم اول تيسير صبحي جالس عند طاولة مختبرات الفحص الجنائية على وشك تحضير عينة للفحص المجهري، قضى الليل كله و هو يحلم بهذه اللحظة متمنيا الساعات ان تمضي بسرعة ليصل الى المختبر و يفحص العينات التي اخذها من مسرح الجريمة، و ها هو على وشك القيام بما يأمل ان يشبع فضوله عن الكائن الذي أخبروه عنه، ارتدى في يديه القفازات الطبية بشغف و امسك انبوب الفحص المطلوب من وسط مجموعة انابيب كانت موجودة على طاولة مختبره و سحب بالقطارة بعض من عينات الدم الزرقاء التي أخذت من مسرح الجريمة، نظر الى المحتويات و هي تسقط على شرائح الفحص الزجاجية من القطارة بتعجب في بادئ الامر فكانت لا تزال سائلة و كأنها سحبت من جسد الكائن منذ لحظات، وضع زجاج الفحص تحت المجهر بالمختبر و نظر الى العينة، 
قال بتعجب "ما هذا؟" و هو يحرك مفتاح المجهر ليبدل العدسات و تتوضح الصور اكثر، "هذه اول مرة على الاطلاق،"
 نظرت اليه مديرته النقيب الدكتور مديحة صلاح الدين بتعجب و هيا جالسة تحتسي قهوتها على مكتبها، "انت تعمل هنا منذ ايام التاتار فلم اراك بتفاجئ من اي تحليل هكذا، فما ميزات هذه التحاليل بالذات؟"
"هذه ليست عينات بشرية و لا حيوانية التي اراها،"
نهضت من مكانها و اقتربة منه متسائلة "فاذا ماذا تكون؟ هل استطيع النظر؟"
نظر اليها تيسير و قال "دمه ما زال على قيض الحياة، انه مليئ بخلايا شرسة كبيرة بحجم خلية الأميبة،" 
نظرت مديحة من خلال منظار المجهر و لهثة متعجبة من الصور، "انها تأكل؟!"
"تأكل ماذا!"
فصرخة بخوف "ابعد الشريحة!"
أمسك بخوف شديد الشريحة التي تحت المجهر بيده اليمين ليبعدها فاحس بنار آكلة تلسع اصابيعه، فصرخ و أوقع الشريحة على الارض لتتكسر، هرعت يسرى اليه قائلة "ماذا حصل!!!" 
نظرت الى يده فاذ بالدماء الزرقاء تملأها و تخترق القفازات الطبية و تحرقها، "كانت الدماء طافية من الشرائح الزجاجية فلسعتني!" اتجاها الى المغسلة و غسلة مكان الجروح قائلة "باسم الله الرحمن الرحيم، سأعقم الجرح فورا،"
جلسا على طاولة المختبر واحضرت انبوب مسوح لجروح الحرائق و وضعت بعد من محتوياته برفق على الاصابع الملسوعة و سألت "ما هذه الدماء و من احضرها و طلب فحصها؟!"
قال تيسير و هو بألم شديد "أتى الامر من مكتب وزير الداخلية شخصياً،"
فاجابت مديحة موبخة "ولما لم تخبرني!"
"لم اكن اعلم انها ستشكل خطرا علي بهذه الصورة،"
"يجب ان آخذ منك عينة دماء لافحصها و اطمئن عليك، 
كانت غرفة المختبرات كبيرة و مليئة باجهزة الفحص الطبية و المجاهر و دواليب التخزين، فاتجهت مديحة الى دولاب و فتحته، بحثت بين طبقاته المليئة بالادوات الطبية عن حقن لتسمع صوت ارتطام خلفها، امسكت بحقنة و عادت مسرعة لتجد تيسير واقعا على الارض يتلوى من الالم، فصرخت "تيسير بماذا تشعر؟!" ركعت على الارض بجانبه،
"اشعر بدوار، انا لست بخير،"
ربطت مديحة ساعده برباط ليتضح لها الوريد و سحبت عينة من دمائه، وضعتها على طاولة المختبر ثم همت مسرعة لتفتح باب المختبر و اتجهت لى مكتب مدير البحث الجنائي الذي كان بجانب المختبر مباشرة، دخلت بسرعة ليستقبلها المدير بإستغراب من دخولها المفاجئ "ماذا دهاك؟!"
"سيد كريم، تيسير مريض جدا و يجب نقله الى المستشفى"
"ماذا به؟"
عينة الدماء الذي احضرها مكتب وزير الداخلية حرقة يديه واردته مريضا جدا، يجب ان يُنْقَلْ الى المستشفى فورا، هذه الدماء ليست لها خصائص بشرية او حتى لكائنات من عالمنا إطلاقا،"...يتبع

CONVERSATION

0 comments: