صياد السمك/ مفيد نبزو

قد يصيد المرء سمكة بدودة كانت قد أكلت من جثة ملك ، ويأكل السمكة التي
أكلت تلك الدودة .
هاملت
سماع الموسيقى ..
التأمل بالطبيعة الكونية ..
لوحات الفنانين وتماثيلهم المنحوتة ..
ممارسة الرياضة ..
التسكع بين الشوارع والأزقة ،
في كل الأمكنة ..
فنجان قهوة الصباح ..
الكسل ..
العمل ..
الوقوف على حافة الجنون ..
النجاح والشهرة ..
الإحساس بآلام المعذبين بالأرض ..
السفر ..
الاسترخاء والانطواء والانعزالية ..
الاستسلام للنوم بهدوء ..
الموت بصمت ..
الظلام .. المطر .. الثلج ..
الزواج .. المال .. البنون ..
التعبير عما هو غريب وغير مألوف ..
الحلم .. الأمان ..
الشعور باليأس والإحباط ..
غربة النفس والروح ..
هجرة الطيور وعودتها ..
الإيمان بالغيبيات والموجودات ..
الأنثى متعة الذكر والذكر متعة الأنثى ..
ولا من متعة إلا وتزول ..
الهواية من الهوى ..
والهوى ميول ..
والميول نوازع ..
ونوازع الخير منذ الفتوح الأولى ..
للأرض المغلقة والعقول الضيقة ..
واكتشاف قارات الدود ..
لذا راح صديقي البرمائي يلتقط الدود
من علبة مملوءة بالتراب ..
وهو يقهقه ضاحكا ً ساخرا ً..
الدود يساعد في تهوية الأرض ..
هو كائنات حية لها أجناس ..
ضرورية للحياة ..
ولها عالمها المقدس ..
الدود طعام لذيذ لأسماك صديقي
الذي أعد قصبته وصنارته ذات الرؤوس المعقوفة ، وخيوط النايلون القوية
،ولفها عليها ..
وكيس الخيش الذي يحدوه الأمل أن يعود فيه بصيد ثمين ..
كان يعرف متى يتكاثر السمك ..
متى يطفو على سطح الماء ، و متى يغوص إلى قعره ..
وأين يأكل ما يجعله شهي المذاق ..
وأين يكون زنخا ً..
حرر صنارته من على ضفة ذلك النهر المراهق ..
ووضع دودة صغيرة في صنارته ، ورماها لتعلق بها سمكة صغيرة سرعان ما
انتشلها بحركة بهلوانية
والسمكة تتراقص كرقصة هيروديا أمام سالومي برأس يوحنا المعمدان ..
وتوالت الحركة ..
يلقمها دودة تلو الأخرى ،
وهي تصيب تارة ، وتارة تخيب ...
كالحياة البائسة المطعونة بسكين التجارب ..
حان وقت الدودة الطويلة الآن لتكون طعما ً..
قهقه ضاحكا ً ساخرا ً، ورماها .. حركها يمنة ويسرة ..
انتظر قليلا ًقليلا ً لتعلق بها سمكة كبيرة ذات حراشف مضيئة ، وغلاصم
تقطر منه قطرات الماء .. وحدقتين كأنهما ألماستين ..
لم يكن يشعر بالوقت ولا التعب أو الضجر ..
داهمه الظلام فلم يستسلم له ..
سمع نباح الكلاب الشاردة من بعيد فلم يأبه له ..
كان ذهنه جامدا ً عند حركتين: علقت ما علقت
أكلت ما أكلت ..
حمل كيسه وعاد من معركة غير متكافئة
،وفي رأسه نشوة النصر ..
الفراغ هواية الوقت ..
هل كان يعيش حالة نفسية خاصة ..؟؟!
هل كان يحارب طواحين الهواء ..؟؟!
هل هو الهروب من قبو ديكاميرون ،وفساد علاقاته الاجتماعية في القرون الوسطى ..؟؟!
لا يهمه طريقة طهي السمك ،فليس الأكل متعته ..
ولا حشو معدته بالطيبات ممن يرزق موهبته ..
المهم أنها وجبة دسمة ..
اكتفى بالسمكة الكبيرة التي يفضلها بالثوم وعصير الليمون ..
ولا مانع من سلطة الخضار معها ..
هاهو يلتقط قليلا ً من لحمها الطازج ..
كأنه ينقرها نقراً ، ويشرب نخب عشقها لدودة صنارته الساحرة الجذابة
الذكية ..ويتركها في صحنه رأساً وذيلاً ً وحسكا ً ..
بعد رحلة طويلة شاقة شيقة شارفت الشمس على الغروب ..
وشيعه الصيادون إلى حيث لا صياد يصيد ، ولا أنهار تجري ، ولا ظلام تسدل
ستائره ، ولا كلاب تنبح ..
هنالك التقطته دودة طويلة كانت تقهقه ضاحكة ساخرة ..
أكلتْ منه ما أكلتْ وتركتْ ما تركتْ ،
والصيادون مايزالون يأكلون السمك و يشربون نخب صيده الأخير .


شاعر سوري

CONVERSATION

0 comments: